حالة

وُجِدتْ، لا تعلمُ عن وُجودِها إلّا أن الله أوجدها حيثُ العالم المحيط الأكبر كثيراً من حجمها -مما يجعله عديم الملامح- فلم تساعدها أعينها -برغم كثرتها- إلّا على رؤية محيطها المُتغير بتغير حركتها " لم تُدرك تحركها ". فقط تستطيع تمييز روائح بعض الأماكن المثيرة لشئ ما بداخلها فيدفعها ذلك الإحساس إلى تحريك بعضاً من أجزاء جسدها النحيل لتصل إلى مركز الرائحة ، فتمد بعضاً من أطرافها تتذوق ، تأكل ، تشرب أحياناً ، تُلائمها الفكرة ، تُثيرُ شيئاً ما خفيٍ بداخلها ، فتعجبها وتنتقل بين الأماكن المزدحمة لتبحث عن رائحة جديدة .
تَطِنُ , تَأِنُ , تبوحُ , فتنوح .
لا تُزعجها حماقات صديقاتها الحشرات ذوي وذوات الحجم الضئيل مثلها ، ولا تغتم لمحاولات الحشرات الأكبر حجماً والأشرس شكلاً سحقها , ولا تشغل بالها بالغد .
كيف -وهي لا تدرك وجودها- ؟
تحب المرح بين الزهور -على الرغم من عدم إدراكها لكونها زهور- إلا أنها تحب الألوان , وتعشق المرح ذو الحماقات.
لم تنظر يوماً إلى إنعكاسة ظلِّها أو حتى على إنعكاس ضوءها على سطح المياه لترى ما هيتُها ، لم تر صورةً لها -ولو واحدة- ولو رأت!
أكانت صورتها المُتخيّلة التي ترسبت بداخلها لشخصيتها وماهيتها ستختلفُ كثيراً ! " لم يُشغلها الأمر "
أكانت ستجري لتختبأ من نفسِها خلف الأشجار مثلما تفعل كلما أفزعها غولٌ داخليٌّ مُنتظر ؟ 
ومن يدري ! ربما هي نفسها تلك الحشرة التي طالما ضايقتها وأفزعتها دوماً دون أن تعقِل !
قُلتُ لم يشغلها الأمر .
تتطاير فرحاً ، تقفز ، تروح ، وتجئ ، تدخل جحراً ، تخرج منه ، تقفز في مصيدةٍ فتخرج ، أحياناً كثيرة لا تُدرك معنى المصيدة ولا تفكر في معناها ولا هدفها ، لكن كل ما تدركه هو الألم , لإحساسها به ، فتأن ، تصمت ، فتُجَن !
ترى لمعاناً آخذا ، يذهب بها الكون ، وتعود لترى جمال الإئتلاف ، فتحس أنها وجدت ما تبحث عنه، وظنت أنه سر وجودها ، فتجري بحثاً عن مصدر الضوء لتحتمى به ، تبحث وتبحث وتبحث ، تواجه الصعوبات وتتحدى ما تلاقيه .
فتدخل لمكانٍ مهجورٍ ، بداخله أغراض متبعثرة كالقمامة ، وتصل لقمتها ، ويقع ما يقع ويظل ما يظل ، وتصل ، وتلتصق بمصدر اللمعان ، لم تعرف أنه العنكبوت ولم تدرك موقف موتها ولا أن تلك هي نهايتها ، لا تحس بأي شئ !
ولا حتى الموت .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق