لو أنها فتحت باب الغرفة

"تجري مهرولةً إلى شباك فُتِح على مصراعيه ، تنظر فلا تدرك من موقعها أمرا ، تعود يائسة إلى سريرها فتجد سهما يشير إلى درج مغلق ، تفتحه ، لتجد أوراقا وصورا وأقلاما تشعر تجاههم بشعور مختلف ، تبدأ في تصفح مجلد كُتب عليه "إقرأني أولا". تجد بدايةً صور لأشخاص لا تعرفهم ، ثم صورا لها مع أشخاص لاتعرفهم أيضا ، تليهما صورا لها وحيدة في أماكن لاتعرف عنها شئ . يلي تلك الصور كلمات ، كتبت بلهجات مختلفة ، والمريب في الأمر أنها تستطيع قراءة تلك اللغات جميعها .
تبدأ بالقراءة ، تكتشف تشوش الجُمل ، تنفي جملةٌ مثيلتها ، وتتشابه بعضها ، و يبدو عليها التخبُط .تقرر محاولة فك رموز تلك الجُمل فتبوء جميع محاولاتها بالفشل ،و سرعان ما تستسلم .
تسقط ورقة بالية نُهِشت كتابةً ،تتفحصها بحرص ، تقرأ ما كُتِب عليها في أول سطر "فُقدان الذاكرة يُعيقني عن تذكُر من حولي"وتقرأ السطور واحداً تلو الآخر :
" البيت مزدحماً ،مكدساً بالأشخاص الذين يُصرون على كوني صديقتهم وأن حادثٍ ما أثر على ذاكرتي الضعيفة ".
"البيت مزدحم ،،  مزدحم،، مزدحم،، العشرات ،، شخص ما ،، !!! "
"وحيدة ! لا أفهم من كتب بأن هناك من كان بالبيت يوماً! "لا أُدرِك كيف تحوّل التاريخ في بداية الورقة إلى نهايتها !! من 1950 إلى 2012 ، مرت الكثير من الأعوام ، ومن المؤكد الأحداث !
تعود إلى المجلد لتعيد قرائته علّها تفهم ما كُتب بعد أن إنجلت لها بعض الحقائق .فتستطيع أن تجد قُصاصات لتذاكر طيران ، لا تتذكر أسماء البلدان ، لكنها تجد صورا لشريك حياتها ،ثم .. لا ، إنه من كان من المُقدَّر أن يكون ! نعم يتضح ذلك في صفحاتٍ تالية حيث تشير إلى إختفاء ذلك الشخص ! علّه ذهب ،أو مات !!
تجد قصاصات أخرى كُتبت عليها جُمل : "الموت لا يوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء #محمود درويش " كما تجد صورةً لها مع شخص وأرفقت الصورة بورقة تقول : للذكرى ، أو ربما للقراءة ، أتمنى أن تذكريني !!
 وصورةً أُخرى مع أطفال كُتب عليها :"حقاً قضيت معك أجمل أيام حياتي ،كانت لنا أيام جميلة "قررت أن تكتب ،خطر لها أنه ربما هي من كتب تلك العبارات ، ربما إعتادت الكتابة في وقت ما حتى تستطيع تذكير نفسها بأشياء يستعصي على المرض إحيائها فبدأت :
"أكتب نهايتي حالياً ، من قراءاتي لأوراق ذلك الدرج المشؤم أدركت عجزي ، وقلة حيلتي ،و وحدتي ، فقررت كتابة نهايتي ."تبكي "،،، أسمع الآن غناء أطفال ، وعنفوان الشباب هذا أعرف تلك الرائحة .لكن لون الوحدة يطغى ويعلو على جميع حواسي .حينما تعجز عن فهم ما يدور حولك ، ربما تقرر الموت .ربما تقرر الموت حينما ترى في كل تجعيدة من تجاعيد جلدك بقع وآثار لأيام لا تستطيع حتى إدراكها ! رؤيتها ! تذكرها ! عيْشها !!!! أتمنى أن تنجلي تلك الحقيقة ! بدأت أشك في وجود الحقائق ! ألا إن هناك حقيقة واحدة أيضا هي " الموت " ....... ""
صوت بكاء ،، نحيب ،، كيف لها أن تقرر ذلك ! لو أنها فقط فتحت باب الغرفة لوجدت أحفادها صغارا يلعبون ، يغنون تلك الأغنيات التي سمعتها ، كانت حقيقة ! لو أنها فتحت باب الغرفة لوجدت أصغر أبنائها شاباً يافعاً ورائحة عنفوان الشباب تلك ! لعرفت أنها حقيقة ! كانت لتجدهم ، لكن حنينها كان أكبر من تحملها ، ياله من حنين قاسي يُفقدها الذاكرة !